وَرَاءَ ضُلُوعِ الغَيمِ قَلبُ مَشُوقِ
لِبَرقٍ بِذَاتِ الأَبرَقَين خَفُوقِ
بَدَا طَفَلاً يُزجِي السَّحَابَ وَإِنَّمَا
أَدَارَ عَلَى الآفَاقِ كَأسَ غَبُوقِ
فَيَا مَن رَآى لَونِي أَصيلاً وَعَبرَتِي
غَمَاماً وَقَلبِي وَهوَ خَفقُ بُرُوقِ
أَلا فَاعجَبُوا مِنِّي وَإِنِّيَ وَاحِدٌ
يُضَمِّنُنِي حبيب صِفَاتِ فَرِيقِ
وَمَن لِبُرَيقٍ يَشتَكِي مِنهُ أُفقُهُ
بِجُرح كَجُرحِ الحُبِّ غَير مُفِيقِ
قَعَدتُ لَهُ فِي فِتيَةٍ أدَبِيَّةٍ
يُقِيمُونَ لِلآدَابِ أَكرَمَ سُوقِ
مِنَ القَومِ جَالَت فِي المَعَانِي شِفاهُهُم
مَجَالَ أَكُفٍّ فِي كُؤُوسِ رَحِيقِ
يَقُولُونَ لِي شَبِّه فَقُلتُ كَأَنَّمَا
يَجُرُّ عَلَى الكَافورِ ذَيلَ عَقِيقِ
فأَومَوا لِي شَبِّه فَقُلتُ كَأَنَّمَا
أَفَاضَ عَلَى البِلَّورِ رَدعَ حلُوقِ
وَلَو حسُنَ التَّكرَارُ قُلتُ كَأَنَّهُ
وَرَاءَ ضُلُوعِ الغَيمِ قَلبُ مَشُوقِ
فَقَالُوا أَرَدنَا سُرعَةً وَتَوَقُّداً
فَقُلتُ ذَكَرتُم خَاطِرَ ابنِ حَرِيقِ
وَإِنَّ سَنَا بَرقٍ يَكُونُ شَبِيهَهُ
لَيَزدَاد بِالتَّشبِيهِ حُسنَ بَرِيقِ
وَآيَةُ بَرقِ الجَوِّ سَكبُ دُمُوعِهِ
بِأَبطَح وَادٍ أَو سَمَاوَةِ نِيقِ
لِيُطلِعَ فِي مُلدِ الغُصُونِ كَوَاكِباً
مِنَ الزهرِ تُعشِي العَينَ لَمعَ شُرُوقِ
وَآيةُ ذاكَ الخَاطِرِ الفَذِّ نَفثَةٌ
تَسُدُّ عَلَى الأَذهَانِ كُلَّ طَرِيقِ
هِيَ الحُسنُ لا مَا تَزدَهِي رَوضَةُ الرُّبَى
بِخَدِّ أقَاحٍ أَو بِثَغرِ شَقِيقِ
مِنَ المُذهَبَاتِ الغُرِّ تَهوى رِكَابُهَا
إِلَى كُلِّ فَجٍّ فِي البَيَانِ عَميقِ
تَسيرُ وَرَاءَ السَّمعِ فِي كُلِّ فَدفَدٍ
إِلى مُستَقَرِّ القَلبِ سَيرَ سَبُوقِ
أَقُولُ وَقَد سُقِّيتُ بَعضَ سُلافِهَا
فَأَصبَحتُ بَينَ الشَّربِ غَيرَ مُفِيق
أيَا رُقعَةَ الحَبرِ المُقَبَّلِ نَعلُهُ
سَخَا بِكِ فَارُوقُ البَيَان فَرُوقِي
وَيَا مُتَعَاطِيهَا مَكَانَكَ تَستَرِح
فَكَم مِن رَسِيمٍ دُونَهَا وَعَتِيقِ
يَقِرُّ بِعَينِي أن تَقَهقَرتُ دُونَهَا
كَمَا يَتَحَامَى الغُصنُ فَرعَ سَحُوقِ
وَقَد سَرَّنِي أَن ذَابَ عَنهَا حَسُودُها
كَأَنَّ فَرَاشاً حَامَ حَولَ سَحُوقِ
لَقَد رَشَقَت قَلبَ الحَسُودِ سِهَامُهَا
بِنَصلٍ كَنَصلِ الزَّاعِبِّي فَتِيقِ
وَلَم يَعنِهِ سَردُ الدُّرُوعِ وَإِنَّمَا
لِغَيرِ سِهَامِ الفِكرِ نَسجُ سَلُوقِ
وَجَاشَت عَلَى سَمعِي بِخَمسَةِ أَبحُرٍ
فَحَلَّ بِهَا ذِهنِي مَحَلَّ غَرِيقِ
بِخَمسَةِ أَبيَاتٍ تَمُتُّ مِنَ النُّهَى
إِلَى نَسَبٍ صِنو الصَّبَاحِ عَرِيقِ
مَدَدتَ بِهَا نَحوِي يَمِينَ مَوَدَّةٍ
وَجِدٍّ كَصَدرِ المَشرَفِيِّ وَثِيقِ
يَميناً بِما لَنَا مِن خَاطِرٍ مُتَسَلسِلٍ
رَتُوقٍ لأَثوَابِ البَيَانِ فَتُوقِ
لأنتَ أَخِي لا مَا تَخَيَّلَ وَارِثِي
فَرُبَّ صَدِيقٍ فَوقَ كُلِّ شَقِيقِ
تَعَالَ أُجَاذِبكَ الحَدِيثَ هُنَيهَةً
عَلَى صَرفِ دَهرٍ بِالعِتَابِ خَلِيقِ
بآيةِ مَا يُضحِي وَيُمسِي يَعُقُّنِي
سَيَعلَمُ إِن حَاسَبتُهُ بِعُقُوقِ
ألا وَلَهُ فِي مِسطَحٍ شَرُّ إسوَةٍ
غَدَاةَ ازدَرَى جَهلاً بِفَضلِ عَتِيقِ
إِذا رُمتُ أَن أَسمُو هَوَت بِي رِيحُهُ
لِكُلِّ مَكَانٍ فِي الخُضُوعِ سَحِيقِ
نُحِبُّ بَنَات الفِكرِ وَهيَ تَعُقُّنَا
فَمَا لِعَدُوِّي أَرتَضِيهِ صَدِيقِي
وَتَسرِي وَمَا عَادت عَلَينَا بِعَائِدٍ
وَقُبِّحَ عَانٍ فِي ثِيَابِ طَلِيقِ
كَفَى زَلَلاً لِلدَّهرِ أَنَّ التِقَاءَنَا
كأبلَقَ مَعدُومِ الوُجُودِ عَقُوقِ