من نحن
بسطاءُ الناس. كلما حلُمنا بنافذةٍ في بيتنا أغلقوا باباً آخر. هل نحن أقلّ من أحلامنا. فيما يكمنون لنا في النهار والليل. هل نحنُ حجرٌ في الطريق. أم أننا المفقودون في البيت. نتدرَّبُ على البحر فيجفُّ. نَقنَع بكسرة الشمس فننال الطين. المؤمنون لا تُسمعُ صلاتَهم. نلوبُ في ممرات التيه. نزعُمُ أنه بيتنا. ويزعم أننا في الرعية.
أصدقائي
طيورٌ هائمةٌ في رؤوس الأشجار. فواكهُ فجّةٌ في أغصان متهدلة. تزخرف الطوبَ الأحمر. أصدقائي البعيدون أستحضرهم بالأجنحة النشيطة. يقرأون مخطوطاتي. يتداركونَ اللغة. ومنسيات الذاكرة. يُقْنِعُونَ كتابي بالمحو وحجب الحشرات عن الأبجدية.
أصدقائي أبوابٌ موصدةٌ ومفاتيحُ تصدأ
وأجنحة كثيرة … والريح تشحُّ.
يا قليل الكلام
الى أين تسعى بعينينِ مخمورتين
وأين الذي سوف يُصغي لصمتكَ
يا أيها المستهامُ
السيدة
أرضٌ في متناول القلب. أغرُسُ أصابعي في أردانها. فتشبُّ اليقظة في أطفال الحلم. يتدربون على الضحك. أرضٌ لا تنأى ولا تنسى ولا تبتئس. دمنا يسيلُ من الأكتاف متدرجاً على الذراع. ويقطر من الأصابع في رشاقة الطينة الناعسة. والأرض جالسة بلا اكتراث. متاحة ومتكبرة ومشتهاة. أكتب الوردة فتطلع. أكتب الشمسَ فتشرق. أسألُ الملحَ في الخبز فتفوحُ النكهة الساخنة في متناول اليد.
الأرض والكتابة.
على كثبٍ من الأرض
كلما فتحتُ حقيبةً هَرَعَ شارعٌ في المدينة. وكلما أرخيتُ قميصاً طلعتْ غيمةٌ شاردة. حين أتصفحُ كتابَ أسفاري تنثالُ التفاصيلُ ومنتخبات الذكرى. وما إنْ وضعتُ يدي على ضَمَّةِ أقلامي حتى فاحَ ضوعُ العربية الفصحى. ترافقني في السفر والإقامة. مَنْ يزعُمُ أنني ابتعدتُ عن البلاد. من يريد أن يخبرني عن سُبلِ الغياب لئلا أخطئ الحضور. من يفسّر لي جملة واحدة في الدفتر المكنوز بما لا يوصف وما ليس في الحسبان وما لا يمكن تفاديه.
هو ذا القلبُ عندما يتعلق الأمر بالبيت الأول.
خضرة الحديد
بخضرته الدمثة
بانتشاءاته وهو يفتح للهاربين من الموت تفاحةً
وأسماءَ لا تنتمي للدماء
الحرب
هناكَ مَنْ يصرخ ضدّها لكي تندلع. ومَنْ يهرب ذاهباً إليها. ومَنْ يقود النحيبَ نحو الوهدة. فضيحتُها أنَّ شيئاً لا يشبهها. مثلما يفعل الفلاحون في القحط. فتتحول أشياء الحقل. ويصير العطش كائناً يقوم بمهام الحياة في الموت. حيث يأتي المطرُ بلا صلاة. الحرب فضيحة الله. أنها بلا جنسٍ ولا جنسيةٍ ولا كلام. وليس لك أن تطردها بحربٍ مثلها.
أختام الحافة
طيرٌ يجلس على الحافة. أختامُها مغمورةٌ بالريش. مغموسةٌ في سلسبيل الخيط. معقوداً بناصيتها الويل. يقودنا نحو بهو السماء. طيرٌ سادرٌ في التيه. في الحافة المشغولة بأختامها. الرسالةُ في جناحِ السفر. والطيرُ يبحث في فهارس البريد.
مَنْ يريد أن يعرف.
فليسأل.
امرؤ القيس
في بيت امرئ القيسِ تَسَنَّى للهواء
شرفةٌ يصطفُّ فيها عسكرُ الرومِ
يُؤدُونَ صلاةَ الخوف من قيصر
دسائس منسية
ليس النسيانُ علاجٌ للجرح. حبره في الحلم. شهيقه في حشاشة الروح. وله أجنحة تصعد كلما انحدرَ به النحيب. يَرعَف مؤججاً ذاكرة الناس. والناسُ في الضغينة حتى النعاس. لا الكتبُ توقظهم ولا تنهرهم الجنائز وليس في النسيان علاجٌ لجراحهم. الثكلى لا تنسى. القتيلُ لا ينسى. والنصل بلا ذاكرة.