تحولات الفصول

انحدرتْ في جرف الجبل. الغزلانُ المختبئة منذ الشتاء. رفعنا رؤوسنا. لنعرفَ مصدرَ ما ينجرد. فإذا بقطيع الغزلان ينجرد نحو السفح. جارفاً معه خليطاً طائشاً من الأغصان ومنسيات الوقت والماء اليابس وشظايا الحجر المنحوت في أكتاف الجبل. والغبار المتكاسل الكثيف. وذكريات غابة الجبل. وبريد الجرود المتأخر. وفيما كنا نحاول تفادي الانهمار. كانت قرونُ الغزلان قد نالت قمصاننا. وخبطتْ أظلافُها أجسادَنا المذعورة. فوجدنا أنفسنا ننجرفُ في قطيع الغزلان لنستقر في الوادي العميق أسفل السفح. كان ذلك الانحدار الأخير لغزلان ادخَرَتْها الغابةُ ورعاها الجبل. من أجل أن يبدو ربيعنا زاخراً بالمكتشفات.

الغريب /2

يمرُّ الغريبُ على مائنا. طيراً شارداً من حريق الحروب. بعد اقتناص سربه كاملاً. يتقدمُ بخطوات الوزة بالجناح المنهك. بساقٍ مكسورةٍ وكتفٍ مخلوعة. وثلاثة مثاقيل من اليأس الناضج. يسير في طرقات القرية قتيلاً يجرُّ جثته. بذراعٍ معطوبةٍ وذراعٍ مفلوتة. وكلما هَمَّ بالاقتراب سَمِعَ صفقةَ بابٍ تطرده.
الغريبُ في البلاد الغريبة. لم يكن عدواً. لم يشترك في حربٍ. كان يحرثُ خصبَ الطين. ينتظر المطرَ فقصفته زَخَّة الضغائن. جاءَ من الجحيم. يبحث عمَّن يفهم الجراحَ ويعالج الروح. مكانٌ ينامُ فيه ويحلم.
الغريبُ في البلاد الغريبة.

رغبة

ركضتُ بين الجذر والأجنحةْ
بالرغبة الواضحة
كيف يسير القلبُ في جنةٍ

كوكب ضائع

كل أرضٍ تُضمَّدُ فيها جُروحي
ستوقِظُ روحي
كل أرجوحةٍ تَبعثُ المهدَ

الصخرة

حولُكَ العاصفة. هل أنتَ صخرةٌ في الجبل؟. الصمتُ حصنك. وتراتيل الكنائس تحيتك الشاهقة في الحقول القصيّة. ماذا تُسمِّي الأعاصير في قدميك. كيف يأتي إليك النومُ والأبواب تصطفقُ والنوافذُ تتخلع والأشجارُ تَمُورُ في الصمت.
تكتبُ النصَّ وتنام.
صَمتُكَ يَبذُلُ الذرائعَ لورشة الضغائن. صمتٌ تزعم أنه حصنك. من قال أنك سيدٌ في اختيارك. ومَنْ سَرَّ لك بمن ينصُبُ الشِراك وما ينالك من النيران. هل أنت النارُ أمْ الحريق. هل الماءُ أنتَ أمْ العطش. انتبه لشظاياك المتأججة. فمن شذراتك يقيمون سرادقَهم ويوقدونَ مدافئَهم وينصبون العواصف. ثم يَقْصُرُونَ عن المجابهات.

النهايات تنأى

عند المحطات ينتظرُ الناسُ
في المنحنى الدائريِّ الأخير
محنتَنا الدائمة

الباب

ما كنتُ لأعرف الألم. لو لم أفتح الباب. نصحني الملاكُ ألا أفعل. وحذرتني زهرةُ البيت. وأشجارُ الغابة وعدتني بكل ما أحلم. شريطة أن لا أفكر في الباب. الباب نفسه. يطلق تلك الصيحة الصاهلة. حين وضعتُ قدمي على عتبته. كانت رمانته ناضجة. وتنورُ الفضول في اللهب. كأنْ لم يبقَ لي في الحياة سوى أن أفتح الباب. الألم أن تعرفَ.

الفتنة

هذا صنيعُ الليل. ذهبتُ إلى النوم. لم تكن الدفاتر موجودة. ولم تكن الأبجدية في حوزة الحبر. والقنديل بلا زيتٍ. الليلُ يفعلُ هذا كله. أجلَ أن لا يتركَ لي ذريعة. أتأخرُ بها عن القصيدة.
الليل.
الليل وحده لا يتركني وحدي.

عبث

الغابات في مكانها. لا يلتفتُ الناسُ إلى النعمة. من الذي يعبثُ بالكائنات. والحزنُ في هامش الفرح. هامشٌ يمنح الحياة. عبثٌ يُغلقُ البابَ. في كوخٍ على كثبٍ من الغابة. عبثٌ يفتك. عبثٌ يعسفُ بالباقي. في هذا المهبِّ وهو يهوي.